بعد 9 عمليات ناجحة تواصل مبادرة “10 رحلات” تغيير حياة المرضى حول العالم
أبوظبي، 12 أكتوبر 2025:
عندما بدأت الأسترالية أماندا دي يونغ وهي مدربة كلاب، تفقد السيطرة على ساقها اليسرى، ظنت أن الأمر مؤقت وسينتهي سريعًا، لكن خلال أيام قليلة، بدأت قدمها بالالتواء إلى الداخل، وتحولت كل خطوة إلى معركة مؤلمة، كانت أماندا، البالغة من العمر 36 عامًا رياضية شاركت في سباقات الماراثون، قبل أن تجد نفسها فجأة عاجزة عن المشي، محاصرة داخل جسد لا يستجيب، وبعد سنوات من العلاجات الفاشلة، اتخذت قرارًا صعبًا وكان بتر ساقها أسفل الركبة، وذلك أملاً منها في التخلص من الألم واستعادة حياتها.
قادتها رحلتها لاحقًا إلى أبوظبي، حيث أصبحت واحدة من أحدث المستفيدين من مبادرة “عشر رحلات”، وهي مبادرة إنسانية أطلقها الدكتور شمشير فاياليل المؤسس ورئيس مجلس إدارة برجيل القابضة، حيث تتيح المبادرة 10 عمليات مجانية متقدمة لزراعة الأطراف الصناعية بتقنية الاندماج العظمي (Osseointegration) للأشخاص الذين فقدوا أطرافهم نتيجة إصابة أو مرض أو بسبب إصابات الحروب، فيما تبلغ القيمة الإجمالية للمبادرة 4 ملايين درهم إماراتي، وقد تم إطلاقه تكريمًا للطفلين شام وعمر، الناجيين من زلزال سوريا عام 2023 واللذين تلقيا العلاج في مدينة برجيل الطبية .
وتُجرى جميع العمليات في عيادة الاندماج العظمي في مدينة برجيل الطبية، بإشراف البروفيسور الدكتور منجد المدرس، جراح العظام العالمي المعروف، وتعتمد التقنية على تثبيت زرعة من التيتانيوم مباشرة داخل العظم، ما يمنح المرضى ثباتًا أكبر، وراحة أعلى، وقدرة طبيعية على المشي، ومع اكتمال عملية أماندا واثنتين أخريين مؤخرًا، بلغ إجمالي المستفيدين من المبادرة 9 مرضى حتى الآن.
كانت أماندا شغوفة بعملها في تدريب الكلاب المساعدة، إلا أن إصابتها بمتلازمة الألم الإقليمي المعقد (CRPS) غيّرت مسار حياتها تمامًا، حيث كانت قد وصلت لمرحلة البكاء يومياً عندما كانت تنهض من سريرها صباحاً، وخلال ست سنوات، جربت أماندا العلاج الطبيعي والعلاج المائي والدعامات والعقاقير المتعددة، لكن دون جدوى، لم ينجح أي شيء من هذه العلاجات حتى ولو لنسبة بسيطة، إصابتها بالتوحد زادت من تعقيد حالتها، إذ لم تكن قادرة على تحمل الضغط والحرارة الناتجين عن الطرف الصناعي التقليدي.
اضطرت أماندا إلى التوقف عن العمل، بينما لم يكن زوجها قادرًا على العمل أيضًا، ما أدى إلى انقطاع الدخل واعتماد الأسرة على المساعدات الحكومية. وأضافت قائلة: “كنت المعيلة الوحيدة للأسرة، وعندما لم أعد أستطيع العمل، انهار كل شيء، كنا نعيش بوضع مادي سيء للغاية، ومرت أيام لم أكن أعلم فيها ما الذي سيأتي بعد ذلك.”
عندما سمعت عن مبادرة ” 10 رحلات” رأت فيها طوق النجاة، سافرت إلى أبوظبي بمفردها لأن أسرتها لم تتمكن من تحمل تكاليف السفر معها، وتضيف:” منذ لحظة وصولي إلى برجيل، استقبلني الجميع بلطف ودفء لم أشهده من قبل، الرعاية هنا تفوق كل توقعاتي، اليوم بعد العملية أحلم بالعودة إلى تدريب الكلاب، وتأمل أن تركض من جديد يومًا ما، لقد منحتني هذه الجراحة فرصة جديدة لمطاردة الحياة مجددًا.”
جندي يستعيد الأمل
يتذكر البريطاني ستيفن دولان (38 عامًا) تفاصيل اليوم الذي غيّر حياته بالكامل، كان جنديًا فخورًا يخدم في صفوف المشاة في مقاطعة هلمند بأفغانستان عندما انفجرت عبوة ناسفة بدائية الصنع (IED) تحته.
يقول: “أتذكر الانفجار، والصوت، ثم الصمت، وعندما نظرت إلى الأسفل، أدركت أن ساقي لم تعد موجودة، كنت شابًا قويًا أظن أنني أستطيع تحمل أي شيء، لكن فقدان أحد الأطراف اختبار لا يمكن تصوره.”
أنهى الانفجار مسيرته العسكرية التي امتدت لـ 8 سنوات في لحظة واحدة، وبعد أشهر طويلة من التأهيل المؤلم، تعلم المشي مجددًا باستخدام طرف صناعي، على مدار أكثر من 10 سنوات، استخدم ستيفن أطرافًا صناعية تقليدية سببت له الألم وعدم الراحة.
يقول ستيفن:” في الأيام ذات الطقس الحار، كان الطرف يرخو وأضطر إلى التوقف عن المشي، كنت أتظاهر أن كل شيء بخير أمام أطفالي، لكن في داخلي كان يؤلمني ألا أستطيع اللعب معهم أو الذهاب في نزهات عائلية دون قلق من سقوط الطرف الصناعي، أطفالي الثلاثة، الذين تتراوح أعمارهم بين 9 و13 و16 عامًا، كانوا مصدر إلهامي للاستمرار في تقبل التحدي، لم يروني محطمًا يومًا، كانوا فقط يريدون أن يكون والدهم سعيدًا.”
وعندما علم بأنه تم اختياره ضمن مبادرة “عشر رحلات”، شعر بأن بابًا جديدًا فُتح أمامه بعد سنوات من المعاناة وبعد الجراحة، بدأ ستيفن بالفعل في استعادة قوته وتوازنه.وأضاف قائلاً:” الآن يمكنني أن أحلم من جديد بالجري مع أطفالي، والعودة إلى العمل، والعيش دون ألم، هذه الجراحة منحتني فرصة لأن أكون الأب الذي أريد أن أكونه.”
أما لويس ليتاو (68 عامًا) من دنفر، كولورادو، فتغيرت حياته بعد أسبوع واحد فقط من تقاعده عقب مسيرة امتدت 35 عامًا كعامل زجاج، حيث تعرض لحادث في الماضي عندما انقلبت شاحنته المتوقفة فجأة عليه في مزرعة صديق له، وعلقت فوقه لما يقارب 20 ساعة وهو وحيد في البرد القارس، ويضيف : “صرخت حتى فقدت صوتي، في لحظة ما، دعوت الله أن يتوقف الألم، حتى لو كان الثمن حياتي.، بقيت هكذا حتى عثر علي رجال الإنقاذ صباح اليوم التالي، وتم نقلي جوًا إلى مركز صدمات، حيث بُترت ساقي اليسرى، بينما عمل الأطباء على إنقاذ كليتي اللتين بدأتا بالفشل، لقد قضيت أيامًا على جهاز الغسيل الكلوي حتى استقرت حالتي”.
وأضاف: “كنت أقضي حياتي في العمل الميداني والخروج للطبيعة، كنت أتنزه وأصطاد وأمشي كل يوم، بعد الحادث، توقف كل ذلك، شعرت أنني سجين في كرسي متحرك، وبسبب قِصر الجزء المتبقي من ساقي، كان استخدام الطرف الصناعي التقليدي مؤلمًا للغاية، لم أرد أن أقضي ما تبقى من حياتي أقاتل الألم والطرف الصناعي غير المريح، جراحة الاندماج العظمي منحتني فرصة ثانية.”
خضع لويس للجراحة في مدينة برجيل الطبية، وهو الآن في مرحلة إعادة التأهيل وتعلم المشي من جديد، حيث يحلم بالعودة إلى الجبال، والإمساك بأداة الصيد، والشعور بقدميه تلمسان الأرض مرة أخرى.
قال البروفيسور الدكتور منجد المدرس، الذي أجرى جميع العمليات:” إن قصص تعافي المرضى تبرز كيف يمكن للتقنيات الطبية المتقدمة أن تغيّر حياة الناس، فكل مريضٍ جاء إلى هنا يحمل سنوات من الألم والأمل، ومن خلال تقنية الاندماج العظمي، نساعدهم على استعادة حركتهم واستقلالهم من جديد.”
وبلغ عدد المستفيدين من مبادرة 10 رحلات حتى الآن تسعة مرضى من قارات مختلفة، من بينهم ماسيمو كاستيلاني (50 عامًا) من إيطاليا، آلان ماي (49 عامًا) من تايوان، حسنين علي (24 عامًا) من العراق، أنس جبيحي (30 عامًا) من فلسطين، جوشوا أرنولد (29 عامًا) من الولايات المتحدة، وشارون شيريان (33 عامًا) من الهند.