جراحة دقيقة في”برجيل الطبية” لجنين داخل رحم أمه مُصاب بالسنسنة المشقوقة

تحولت فرحة الوالدين بطفلهم الأول إلى صدمة أثناء إجراء الفحص الروتيني ما بين الأسبوع 23-24 من الحمل، عندما اكتشف الأطباء أن طفلهما الذي لم يولد بعد مصاب بالسنسنة المشقوقة، وهي عيب خلقي في العمود الفقري يؤثر على الحبل الشوكي، حيث إقترح الأطباء على الزوجين اللذين قدما من كولومبيا خصيصاً، إجراء تدخل جراحي لإصلاح السنسنة المشقوقة داخل الرحم لمنح طفلهما فرصة لحياة جديدة خالية من المشكلات الصحية، حيث كان التحدي الرئيسي الذي واجههما هو الخضوع لهذا الإجراء في أقرب وقت ممكن بسبب إقتراب موعد الولادة.

وتعرف السنسنة المشقوقة بأنها من الحالات النادرة وهي عيب خلقي يحدث عندما لا تتشكل عظام العمود الفقري وهذا يؤدي إلى ترك الحبل الشوكي معرضاَ للسائل الأمينوسي الذي قد يسبب لاحقاً للطفل إذا لم يتم علاجه في الوقت المبكر إلى مشكلات صحية متعددة، قد تصل إلى الشلل أو ضعف العضلات لدى الأطراف السفلية، إضافة لمشكلات أخرى تؤثر على الأمعاء والمثانة البولية.

وقالت ماريا البالغة من العمر 26 عاماً:” أوصى طبيبي الخاص بالسفر إلى أبوظبي لتلقي العلاج في مركز كيبروس نيكولايدس لطب وعلاج الجنين في مدينة برجيل الطبية، وبعد استشارات طبية عديدة، أدركت أنه من المهم أن يخضع طفلي لهذا الإجراء أثناء وجوده داخل الرحم في أسرع وقت ممكن، فبحسب الأطباء يمكن أن يمنع التدخل الجراحي في الرحم تلف الدماغ والمثانة وعدة اعضاء لدى الطفل، كما يساهم في تحسين

مهارات الطفل الحركية و قدرته على المشي ، وعلى الرغم من التحديات التي واجهتنا بخصوص السفر وظروف عمل زوجي، اتخذنا قرار السفر إلى دولة الإمارات”.

وبدعم من الأطباء والأسرة، شرعت ماريا في هذه الرحلة غير العادية، على أمل أن توفر لطفلها الذي لم يولد بعد أفضل رعاية ممكنة، فيما ساعدت إدارة مدينة برجيل الطبية على تسريع إجراءات الحصول على تأشيرة السفر والمتطلبات الأخرى، وفي غضون 14 يومًا وصلت إلى أبو ظبي لإجراء هذا التدخل الجراحي لجنينها، وإختصاراً للوقت ولتجنب أي تأخير إضافي، حيث تعاون الفرق الطبي في برجيل مع الفريق الطبي في موطنها لإجراء الفحوصات والاختبارات الأساسية لماريا قبل مغادرتها موطنها.

وأكد الدكتور مانديب سينغ استشاري طب الأم والجنين وجراحة الأجنة، الذي قاد الفريق الطبي بمدينة برجيل الطبية، إن إجراء العملية في مرحلة مبكرة يعتبر أكثر ملاءمة للطفل لأنه يقلل من الضرر المحتمل حدوثه بنسبة كبيرة بعد الولادة للحبل الشوكي في الظهر، موضحاً أن عيب القناة الشوكية يجب أن يتم إغلاقه بشكل مثالي قبل الأسبوع 26 من الحمل في الواقع حيث يمكن طبياً إجراء هذه الجراحة حتى الإسبوع الـ 29 من الحمل.

وأوضح أن إصلاح السنسنة المشقوقة داخل الرحم يقلل بشكل كبير من خطر نقص القدرة البدنية وبالتالي تحسين فرص الطفل في مستقبل صحي ونمو طبيعي،فيما يتضمن الإجراء عملية جراحية للجنين وهو لا يزال في الرحم لإصلاح الخلل في العمود الفقري وتقليل خطر المضاعفات التي يمكن أن تحدث مع جراحة العمود الفقري المفتوحة بعد الولادة.

تم استقبال الأم في مدينة برجيل الطبية بأبوظبي، من قبل فريق من المهنيين الطبيين ذوي المهارات العالية والخبرة الذين كانوا على استعداد لإجراء عملية إصلاح السنسنة المشقوقة الدقيقة داخل الرحم، و بالإضافة إلى الدكتور مانديب، ضم الفريق متعدد التخصصات الدكتور موريسيو هيريرا، الطبيب الزائر وجراح الأجنة الشهير، والدكتور عصام الجمال، استشاري جراحة المخ والأعصاب، والدكتور راجاسيخار

سينجاباجو، أخصائي جراحة الأطفال، والدكتور أحمد عمران، استشاري التخدير وغيرهم من أطباء العمليات المدربين.

إجراء معقد وصعب

كان الإجراء الذي استغرق 5 ساعات معقداً و صعبًا نظرًا لطبيعة الخلل حيث كان عيبًا خلقياً كبيرًا، فبحسب الدكتور سينغ الذي لفت إلى أن العيوب الخلقية في العمود الفقري تقسم عادةً إلى قسمين ، تشمل العيوب الصغيرة صغيرة المساحة والعيوب الخلقية الأكبر حجماً التي تتضمن أكثر من أربعة أجزاء من فقرات العمود الفقري، حيث يمكن أن يشكل إغلاق هذه العيوب الكبيرة تحديًا كبيراً لجراحي الأعصاب بسبب الحجم ونقص الجلد المتاح لإغلاق العيب الخلقي وهذا ما حدث مع هذه الحالة.

فيما يعتبر الوقت عامل مهم وتحدي كبير عند إجراء هذه الجراحة لإصلاح العمود الفقري للجنين بسبب الاقتراب من موقع الرحم، ووجود مخاطر قد تكون متوقعة كخطر الولادة المبكرة وانفصال المشيمة، حيث يجعل هذا الإطار الزمني المحدود عملية الإغلاق أكثر صعوبة، خاصة في حالة العيوب الكبيرة، والتي تشكل دائمًا تحديًا كبيرًا، ومع ذلك سارت العملية بشكل جيد، وتم اغلاق الخلل بنجاح ولم تكن هناك أي مضاعفات أثناء العملية.

وأعربت ماريا، المتفائلة بالنتيجة الإيجابية، عن امتنانها العميق للفريق الطبي في مدينة برجيل الطبية، والجهات المعنية في دولة الإمارات والتنظيم الكبير الذي جعل رحلتها ميسرة وتلقيها للعلاج أمراً يسيراً، وقد عبرت عن شكرها وإعجابها بالإمكانيات والخبرات الطبية المتقدمة التي تزخر بها الدولة وتوفرها في منشأتها، فيما تم وضع ماريا تحت الرعاية والملاحظة الطبية المستمرة، حتى استقرت حالتها وعادت لموطنها لتضع طفلها هناك.