زيادة الضغط على فعالية خدمات الرعاية الطبية بعد أن أصبحت معالجة حالات العدوى البسيطة بالمضادات الحيوية أصعب.
أصبحت البكتيريا المقاومة للأدوية تحديًا حقيقيًا يعيشه الطواقم الطبي الموجود في الخطوط الأمامية المقدمة لخدمات الرعاية الطبية، والتي تحدثت عن أن عدد المرضى الذين يتم قبولهم بالمستشفيات كمرضى داخليين بسبب العدوى الشائعة يشهد ازديادًا ملحوظًا. بسبب النمو السكاني السريع وزيادة عدد المهاجرين، أصبح الخليج العربي غير محصّن بشكل خاص من ظهور مقاومة لمضادات الميكروبات، والتي تعتبر واحدة من التهديدات الكبيرة التي تواجهها خدمات الرعاية الصحية في جميع أنحاء العالم. فالإفراط في استخدام المضادات الحيوية والوصفات غير الملائمة لعلاج بعض التعفنات والالتهابات تسبب مشاكل للمستشفيات.
في الإمارات العربية المتحدة، قال الأطباء إن الأدوية، التي تعطى عبر الفم والتي كانت توصف لعلاج الالتهابات البولية الشائعة أو مشاكل المعدة، أصبحت أقل فعالية من السابق، وهو الأمر الذي يجبر المرضى ليصبحوا مرضى داخليين بالمستشفيات لتلقي مضادات حيوية أقوى شدة وفاعلية عبر التقطير الوريدي.
وهذا يضيف المزيد من احتمالات حدوث العدوى، وبقائها مدةً أطول قبل الشفاء منها وبالتالي الزيادة في النفقات الطبية لمعالجتها.
وقد صرح الدكتور نياس خالد، الذي يعمل في مستشفى مدينة برجيل الطبية، ذو الـ 17 سنة خبرة في مجال تخصصه، قائلًا : “ليس من النادر مصادفة حالات مرضى لديهم مقاومة لمعظم المضادات الحيوية الموصوفة لهم، فقد كان لدينا مريض يبلغ سنّه 63 سنة مصابًا بالتهاب في مسالكه البولية، ولديه مقاومة لكل مضاد حيوي وُصف له حينها، وكان يجب علينا استخدام مضاد حيوي شديد، اسمه أزتريونام، وأظهر مقاومةً له أيضًا. فالتجأنا بعد ذلك إلى تقطير مضاد حيوي بجرعة أكبر عبر الوريد. كان من الصعب عليه تحمل شدته؛ لكنها كانت الحل الوحيد للتخلص من التعفنات والالتهابات. مقاومة مضادات الميكروبات حقيقية تحدث فعلًا، وملاحظة في معظم المستشفيات المحيطة بنا في المنطقة.”
أصبحت مقاومة مضادات الميكروبات مشكلة فعلًا، خصوصًا في المنشآت التي تقدم الرعاية الطبية، لأن البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية يمكنها الانتشار بالاتصال بالمرضى أو بين موظفي الرعاية الطبية أو عبر أسطح الأجهزة الطبية المُصابة.
أدوية أقوى
عادة ما تكون المضادات الحيوية عالية الشدة أغلى من حيث الثمن، كما أنه يمكن أن يكون لها آثارًا جانبيةً أسوأ. عندما لا تكون للمريض قدرة على تحمل المضادات الحيوية أو تكون الباكتيريا المصاب بها مقاومة، لا تكون للأطباء خيارات كثيرة لعلاج الحالة. وعلى الرغم من أن المضادات الحيوية المحاربة للميكروبات ضرورية للحياة الحديثة، فاستخدامها غير المناسب سمح لهذه الميكروبات التكيف مع البيئة المضادة لها. ولقد أصبحت البكتيريا والطفيليات والفيروسات والفطريات مقاومة على نحو متزايد للأدوية المضادة للميكروبات، وللمضادات الحيوية ولمضادات الفيروسات.
وفقًا للأمم المتحدة، فقد كانت مقاومة مضادات الميكروبات مسؤولة بشكل مباشر وغير مباشر عن ما يقدر بنحو خمسة ملايين حالة وفاة سنة 2019. وبحلول سنة 2050، من المتوقع أن يتضاعف عدد الوفيات السنوية التي لا يمكن تجنبها بسبب مقاومة مضادات الميكروبات، والتي تفوق عدد الذين ماتوا بسبب السرطان، البالغ عددهم ما يناهز الـ 10 ملايين سنة 2020. ومن المتوقع أن تجد الدول المنخفضة الدخل والمتوسطة الدخل أنفسهم أكثر تعرضًا لمقاومة مضادات الميكروبات وتأثيرًا بها من غيرها؛ فالفقر وضعف شبكة الصرف الصحي والنظافة وانتشار التلوث، عوامل تزيد من الإصابات التي قد تكون من الصعب علاجها في السنوات المقبلة.
إذا ما تناول المريض الكثير من المضادات الحيوية بعد العدوى المتكررة، من المحتمل ألا يستجيب للمعالجة المُوفرة له. كما أن المعالجات غير التامة، أو الاستخدام غير المتكامل وغير الملائم يمكن أن يحول البكتيريا إلى عنصر مقاوم لها. في هذا الصيف تعدّ الشكوى من التهاب الشعب الهوائية أمرًا شائعًا، حيث تزيد الظروف الجوية الرطبة بالأجواء تحتوي على أتربة، عدد حالات مشاكل الجهاز التنفسي.
وكما ينصح به تريلوك تشاند، الطبيب الاستشاري طب الجهاز التنفسي ورئيس القسم في مستشفى برجيل، أبو ظبي، فإنه من الأفضل أن لا تكون المضادات الحيوية دائمًا أول ما يوصف للمريض. حيث يقول: ” بشكل عام، مقاومة مضادات الميكروبات تعد تحديًا جديدًا للأطباء ولأفراد المجتمع، ويجب وصف المضادات الحيوية فقط عند الاشتباه القوي في وجود عدوى بكتيرية قوية أو أن هناك بيئة نخامة كاشفة عن وجود عدوى.
وتابع قائلًا: “نحن (كأطباء) لا نشجع استخدام المضادات الحيوية في حالات التهاب الفيروسي للشعب الهوائية أو الالتهاب الناتج عن التحسس، لأن الأمر سيسهم في تكون مقاومة مضادة لمضادات الميكروبات.”
الاستراتيجية الوطنية للتعامل مع الوضع
في دولة الإمارات العربية المتحدة، سنة 2019، تم وضع خطة استراتيجية وطنية للتعامل مع مقاومة مضادات الميكروبات في تعاون جرى بين قطاعات الرعاية الصحية والأغذية والحيوانات والبيئة المكافحة لهذه المشكلة. حيث إنه منذ ذلك الحين، تحول الاهتمام بالمستشفيات لتحسين التدابير الوقاية المتبناة لمعالجة العدوى ومكافحتها، وتم وضع قيود مشددة راصدة للوصفات الطبية المضادة للميكروبات.
قالت جمانة يوسف مقدادي، الصيدلانية الموفرة لأدوية معالجة للأمراض المعدية، التي تشغل منصب رئيسة لجنة الإشراف على مضادات الميكروبات في برجيل، أحد المسهمين في تبني السياسة المتبعة: “نحن نتواصل مع الأطباء ناصحين إياهم باستخدام أقل لهذه الأنواع من المضادات الحيوية في المستشفى لكي لا يتسببوا بخلق مقاومة لأحياء دقيقة أخرى، ولذلك نريد الإنقاص من استعمالها؛” متابعةً: “ففي بعض الأحيان لا يكون الأمر ملحًا إلى درجة وصفها كعلاج فيتم الإفراط في استخدامها، ووصفها لعلاج فيروس، مثلًا. إنها لمشكلة كبيرة في جميع أنحاء العالم وليس فقط في مستشفانا. ونحن نشهد في أيامنا هذه المزيد من المقاومة التي من شأنها أن تكون سببًا في التقليل من استخدام عدد المضادات الحيوية. وإذا أصبحت المضادات الحيوية تواجه مقاومة واسعة في المعالجة، فإنها تضيق على نطاق الحلول التي لدى الأطباء في المعالجة.”
عند مواجهة الأطباء لحالات عدوى مقاومة للأدوية، فغالبا ما يصفون مزيجًا من مضادات حيوية مختلفة. وهذا في حد ذاته خالق لمخاطر إضافية؛ لأن مرضى نقص المناعة يتم إعطاؤهم أدوية أقوى وهو ما يُلْحق الضرر بإنزيمات الكبد، أو تضعف وظائف الكلى أو تؤدي إلى اختلال توازن الكهارل البيولوجي في الجسم. في الإنتان، وهو تعفن الدم، استجابة الجسم العنيفة للعدوى، يمكن أن تؤدي الأدوية غير الفعالة إلى فشل الأعضاء وحتى إلى الموت. وهناك ترجيح أن يعاني مرضى الرعاية طويلة الأمد من تأثيرات حالات مقاومة مضادات الميكروبات، لأن البكتيريا يمكن أن تصبح مقاومة لجميع المضادات الحيوية.
تحضير أدوية جديدة
عادة ما يستغرق أمر تطوير دواء مضاد حيوي جديد من الصفر مدة 20 سنة. وهناك حاجة إلى أدوية جديدة، على الرغم من إضافة عناصر جديدة إلى أدوية موجودة، لتعديل مركبات الدواء كإجراء مؤقت. وهو الأمر الذي تعمله الكثير من شركات الأدوية، مثلًا تُركز شركة “فايزر” في بحوثها تحضير أدوية جديدة إلى السوق لزيادة ترسانة أدوية مكافحة للبق.
وقد قالت بارمجوت باينز، مديرة سلسلة مجموعة فايزر الخليجية: “نحن منخرطون بنشاط ونلتزم بنهج متعدد الأوجه وقائم على اعتماد مقاربة النتائج المبنية على أدلة في التحضير، لضمان الاستخدام المسؤول لمضادات العدوى ببيئات منشآت الرعاية الصحية المحلية. حيث تتضمن هذه الجهود تعزيز قوة النظام الصحي الموجود، ونظام المراقبة، وبروتوكولات الوقاية من العدوى، بما فيها التطعيم، والسياسات المنظمة، وابتكار الأدوات، وعمليات التشخيص، والتعليم، والبحوث، والحرص على الإنصاف في تقديم الخدمات الصحية، وانخراط المرضى.
مضيفةً بالقول: “يجب على الحكومات ودوائر مجال الصحة ومجتمعات قطاع الصحة العام العمل معًا لاتخاذ إجراءات ودعم التدابير الرامية إلى تمكين الابتكار المستمر في تطوير مضادات حيوية جديدة ومعالجة مقاومة مضادات الميكروبات”.
اقرأ القصة كاملة بالانجليزية : ذا ناشيونال نيوز