الحالب خلف الأجوف: التدبير الجراحي لتشوه خلقي نادر للغاية لدى مريض من الأطفال

مقدمة

الحالب خلف الوريد الأجوف السفلي، والمعروف أيضاً باسم الحالب المحيط بالوريد الأجوف، هو تشوه خلقي نادر للغاية حيث يمر الحالب خلف الوريد الأجوف السفلي، مما يخلق انسداداً محتملاً لتدفق البول. مع معدل انتشار عالمي مسجل يبلغ 0.06-0.17% فقط من السكان، معظم المتخصصين الطبيين لن يواجهوا هذه الحالة في حياتهم المهنية. هذا التشوه أكثر ندرة في الأطفال، حيث يتم تشخيص معظم الحالات في البالغين خلال العقد الثالث أو الرابع من العمر.

تفصل دراسة الحالة هذه التشخيص الناجح والعلاج الجراحي للحالب خلف الوريد الأجوف السفلي لمريض يبلغ من العمر 15 عاماً في برجيل فرحة في العين، الإمارات العربية المتحدة. تسلط الحالة الضوء على أهمية التصوير التشخيصي المناسب لدى الأطفال الذين يعانون من أعراض بطنية مستمرة وغير مفسرة، وتوضح كيف يمكن للتدخل الجراحي المستهدف أن يحسن بشكل كبير جودة الحياة للمرضى المصابين بهذه الحالة النادرة.

فهم الحالب خلف الوريد الأجوف السفلي

الأساس الجنيني

الحالب خلف الوريد الأجوف هو في الأساس شذوذ وريدي وليس شذوذاً في الحالب. خلال التطور الجنيني، يتراجع الوريد تحت القلبي الأيمن بشكل طبيعي، ويشكل الوريد فوق القلبي الجزء تحت الكلوي من الوريد الأجوف السفلي. في حالة الحالب خلف الوريد الأجوف، يستمر الوريد تحت القلبي ويشكل الوريد الأجوف السفلي تحت الكلوي، مما يجعل الحالب يمر خلفه. هذا يخلق حالباً قريباً على شكل حرف S أو حرف J معكوس يلتف حول الوريد الأجوف السفلي، مما قد يسبب انسداداً وظيفياً.

التصنيف

الحالب خلف الأجوف يصنف إلى نوعين بناءً على المظهر الشعاعي

  1. النوع الأول (الأكثر شيوعاً): يظهر توسع حوض الكلية المتوسط إلى الشديد مع تشوه الحالب على شكل حرف S أو على شكل صنارة الصيد
  2. تصنيف النوع الثاني (أقل شيوعاً): يظهر توسع حوض الكلية بدرجة معتدلة مع انحناء الحالب بشكل منجلي

العرض السريري

تتنوع المظاهر السريرية للحالب خلف الوريد الأجوف السفلي بشكل كبير:

  • يظل بعض المرضى بدون أعراض طوال حياتهم
  • يطور آخرون الأعراض في مرحلة المراهقة أو البلوغ
  • تشمل الأعراض الشائعة ألم الخاصرة، والتهابات المسالك البولية المتكررة، والبيلة الدموية، وحصوات الكلى
  • تكون الأعراض عادةً مرتبطة بدرجة انسداد الحالب وما يتبعه من موه الكلية

يتأخر التشخيص غالباً بسبب ندرة الحالة وطبيعة الأعراض غير المحددة، والتي قد تشبه اضطرابات أكثر شيوعاً مثل حصوات المسالك البولية أو التهاب الكلية والحويضة

عرض الحالة

عرض الحالة

يعرض مريض ذكر يبلغ من العمر 15 عاماً في مستشفى برجيل فرحة في العين للمرة الأولى، برفقة والديه. وأفادوا بأن ابنهم كان يعاني من آلام في البطن بشكل غير منتظم والقيء عدة مرات في الأسبوع لعدة سنوات. وعلى الرغم من استشارة العديد من الأطباء الذين اقترحوا الحساسية واضطرابات المعدة كأسباب محتملة، إلا أن الأدوية الموصوفة قدمت تخفيفاً مؤقتاً فقط.

لاحظ الوالدان تطوراً مقلقاً في حالة ابنهما، مع تفاقم الألم ونوبات القيء اليومية في الأشهر الأخيرة. هذا التدهور في أعراضه دفعهم إلى طلب تقييم طبي إضافي.

التقييم الأولي

تم تقييم المريض في البداية من قبل طبيب أطفال في برجيل فرحة، الذي طلب إجراء فحص بالموجات فوق الصوتية للبطن – وبشكل لافت للنظر، كان هذا أول فحص بالموجات فوق الصوتية يخضع له الطفل على الرغم من سنوات من الأعراض. كشف الفحص بالموجات فوق الصوتية عن توسع كبير في حوض الكلية اليمنى (استسقاء الكلية)، مما استدعى إحالته إلى الدكتور همام قرشولي، استشاري المسالك البولية ورئيس قسم المسالك البولية.

قام الدكتور قرشولي بإجراء فحص بالموجات فوق الصوتية بنفسه لتقييم النتائج بشكل أعمق. أكد الفحص وجود استسقاء الكلية ولكنه أظهر أيضاً توسعاً في الحالب القريب، مما يشير إلى أن الحالة لم تكن انسداداً نموذجياً في موضع اتصال الحالب بالحوض الكلوي. ولاستبعاد الحصوات البولية كسبب للانسداد، تم طلب تصوير مقطعي محوسب للبطن بدون صبغة. وبينما أكدت هذه الدراسة عدم وجود حصوات، كشفت عن مسار غير طبيعي للحالب الأيمن.

التشخيص القطعي

بناءً على النتائج المشبوهة، تم إجراء فحص أشعة مقطعية معزز بالصبغة، والذي أظهر بوضوح المسار خلف الوريد الأجوف للحالب الأيمن. أظهر التصوير الشكل النموذجي على هيئة حرف J أو حرف S معكوس للحالب القريب أثناء مروره خلف الوريد الأجوف السفلي قبل متابعة مساره الطبيعي إلى المثانة. تم تأكيد تشخيص الحالب خلف الوريد الأجوف.

لإتمام التقييم وتحسين رؤية الحالب السفلي (الذي لم يكن واضحاً في الأشعة المقطعية)، تم إجراء تنظير المثانة مع تصوير الحالب الارتجاعي. وقد أكد هذا التشخيص وقدم تفاصيل تشريحية إضافية ضرورية للتخطيط الجراحي.

التدبير الجراحي

التخطيط قبل الجراحة

نظراً لصغر سن المريض، والأعراض المتزايدة، والتشوه التشريحي المؤكد، اعتُبرت الجراحة التصحيحية ضرورية. وكانت أهداف الجراحة هي:

  1. ارفع الانسداد
  2. استعادة التصريف البولي الطبيعي
  3. الحفاظ على وظائف الكلى
  4. تخفيف أعراض المريض

تم اختيار نهج جراحي بشق مفتوح في الخاصرة بدلاً من التقنيات بالمنظار أو الروبوتية، مع الأخذ في الاعتبار التفاصيل التشريحية المحددة لهذه الحالة

العملية الجراحية

تحت التخدير العام بواسطة الدكتور ميثم بدوي، أخصائي التخدير، قام الدكتور قرشولي بالخطوات التالية:

  1. تم إجراء شق في الجانب الأيمن للوصول إلى الحيز خلف الصفاق
  2. تم تحديد الحالب الأيمن وتعريضه بعناية
  3. تم قطع الحالب عند النقطة التي يمر فيها خلف الوريد الأجوف السفلي
  4. تم تحريك الحالب بالكامل من موضعه خلف الوريد الأجوف السفلي
  5. تم إعادة موضع الحالب إلى موقعه التشريحي الطبيعي، أمام الوريد الأجوف السفلي
  6. تم إجراء تفليج لكلا طرفي الحالب لتوسيع المفاغرة
  7. تم وضع قسطرة حالبية مزدوجة على شكل حرف J للحفاظ على سلامة المجرى أثناء الشفاء
  8. تم إجراء مفاغرة حالبية نهائية لإعادة استمرارية المسار البولي
  9. تم إغلاق الجرح على طبقات

الرعاية بعد العملية الجراحية

بعد أربعة أسابيع من الإجراء الأولي، خضع المريض لإجراء ثانٍ قصير لإزالة القسطرة مزدوجة الطرف J. في هذا الوقت، تم إجراء منظار الحالب مع تصوير الحالب لتقييم التفاغر الملتئم والتأكد من تدفق البول دون عوائق. أظهر التقييم نتائج ممتازة مع حالب سالك وعدم وجود أي دليل على تضيق في موقع التفاغر.

النتيجة السريرية

كانت نتائج هذا التدخل مثيرة وفورية. بعد الجراحة، شهد المريض زوالاً كاملاً لأعراضه المزمنة. واختفى تماماً ألم البطن والقيء الذي عانى منه لسنوات. وخلال المتابعة، تم وصف حالته بأنها “مثالية”، مع تحسن ملحوظ في جودة حياته.

أعرب الوالدان عن رضاهما عن الرعاية المقدمة في برجيل فرحة وعبرا عن امتنانهما لعدم اضطرارهما للسفر إلى الخارج لإجراء هذه العملية المتخصصة. وهذا يؤكد أهمية توفر الخبرات المتقدمة في جراحة المسالك البولية للأطفال داخل المنطقة.

النقاش

الأهمية السريرية

هذه الحالة تؤكد على عدة دروس سريرية مهمة:

  1. أهمية التصوير: على الرغم من سنوات من الأعراض وتعدد الاستشارات الطبية، كانت هذه المرة الأولى التي خضع فيها المريض للتصوير بالموجات فوق الصوتية. كان من الممكن أن يؤدي التصوير المبكر إلى تشخيص وتدخل مبكر، مما قد يمنع سنوات من المعاناة.
  2. مؤشر عالٍ من الشك: يتطلب تشخيص الحالب خلف الأجوف الوعي بهذه الحالة النادرة وإجراء الفحوصات التشخيصية المناسبة عند اكتشاف استسقاء الكلية دون سبب واضح
  3. قيمة التقييم الشامل: كان النهج التشخيصي المتدرج – من الموجات فوق الصوتية إلى التصوير المقطعي بدون صبغة إلى التصوير المقطعي مع الصبغة وأخيراً تصوير الحالب الارتجاعي – ضرورياً للتشخيص الدقيق والتخطيط الجراحي
  4. رغم ندرة هذه الحالة، أثبت التدخل الجراحي بإعادة مفاغرة الحالب فعاليته العالية، مع زوال فوري وكامل للأعراض

السياق الوبائي

الندرة الشديدة لهذه الحالة لا يمكن المبالغة في وصفها. مع معدل انتشار عالمي يتراوح بين 0.06-0.17%، يعد الحالب خلف الأجوف من أندر التشوهات الخلقية البولية. معظم الحالات المسجلة في الأدب الطبي تتعلق بالبالغين، مما يجعل هذه الحالة لدى الأطفال أكثر ندرة.

المقارنة مع النهج البديلة

بينما تمت إدارة هذه الحالة بالجراحة المفتوحة التقليدية، تجدر الإشارة إلى أن الأساليب الجراحية محدودة التدخل قد تم وصفها في الأدبيات الطبية

  1. يمكن إجراء الإصلاح بالمنظار الجراحي عن طريق المدخل عبر الصفاق أو خلف الصفاق، مما يوفر مزايا الشقوق الصغيرة والتعافي السريع
  2. إصلاح بمساعدة الروبوت: يوفر تحسين الرؤية والدقة لمفاغرة الحالب
  3. التدبير العلاجي بالمنظار الداخلي: في بعض الحالات المختارة، قد يوفر تركيب دعامة الحالب بمفردها تخفيفاً للأعراض لدى المرضى غير المؤهلين للجراحة

كان اختيار الجراحة المفتوحة في هذه الحالة مناسباً نظراً للتشريح الخاص للمريض وخبرة الجراح. وتؤكد النتيجة الممتازة صحة هذا النهج، رغم أن الحالات المماثلة في المستقبل قد تستفيد من التقنيات الأقل تدخلاً مع استمرار تطور الخبرة في هذه الأساليب.

الخاتمة

هذه الحالة تمثل تشخيصاً ناجحاً وإدارة جراحية لتشوه خلقي نادر للغاية لدى مريض من الأطفال. بعد سنوات من التشخيص الخاطئ والعلاجات غير الفعالة، اختفت جميع الأعراض لدى المريض بعد التصحيح الجراحي للحالب خلف الوريد الأجوف.

تسلط القضية الضوء على عدة نقاط مهمة للممارسين الطبيين:

  1. الدور الحاسم للدراسات التصويرية المناسبة في تقييم أعراض البطن المستمرة وغير المفسرة عند الأطفال
  2. الحاجة إلى النظر في التشوهات التشريحية النادرة عندما تفشل التشخيصات الشائعة في تفسير أعراض المريض
  3. التحسن الملحوظ في جودة الحياة الذي يمكن أن ينتج عن التشخيص الصحيح والتدخل الجراحي المناسب

بالنسبة للمجتمع الطبي في دولة الإمارات العربية المتحدة، تظهر هذه الحالة المستوى العالي من الخبرة المتخصصة في جراحة المسالك البولية للأطفال المتوفرة في برجيل فرحة في العين، مما يلغي حاجة العائلات للسفر دولياً للحصول على رعاية المسالك البولية المعقدة.

الأهم من ذلك، بالنسبة للمريض الشاب في هذه الحالة، فإن التشخيص النادر الذي تبعه تصحيح جراحي متخصص قد غير حياته، وحرره من سنوات من الألم غير المفسر وسمح له بالتمتع بفترة مراهقة طبيعية خالية من الأعراض.

الخبراء